طالب حزب جبهة العمل الإسلامي بوقف “التدخل الأمني” في الحياة المدنية والسياسية والنقابية، وذلك بعد 10 أيام من دعوة الملك الأردني عبدالله الثاني، إلى القيام بإصلاح سياسي يشمل إعادة النظر بالقوانين الناظمة للحياة السياسية، “للوصول إلى حياة حزبية برامجية راسخة”.
“ازدياد التغول الأمني”
وأشار الناطق باسم الحزب ثابت عساف، إلى أن التدخلات الأمنية تمثل أحد أسباب التضييق على العمل الحزبي والسياسي في البلاد، مؤكدا أن “التغول الأمني ازداد في الفترة الأخيرة بشكل كبير”.
وأضاف لـ”عربي21” أن هذه التدخلات مخالفة للقانون وللحقوق الشخصية بشكل صارخ، ولا تخدم الوطن ولا المصالح المجتمعية، مضيفا أنها “نالت من مؤسسات المجتمع المدني بشكل أساسي، كنقابة المعلمين التي تم حل مجلسها المنتخب من دون التفات إلى إرادة الناخبين الذين اختاروه”.
وقال الحزب في بيان الثلاثاء، إنه “لا معنى لوضع تشريعات ناظمة للحياة السياسية، فيما يتواصل التغول الأمني في إدارة المشهد السياسي والنقابي، والضغوطات على الأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني”.
ودعا الحزب إلى “إصدار عفو عام عن السجناء السياسيين ومعتقلي قضايا حرية الرأي والتعبير، ووقف سياسة توقيف الصحفيين على خلفية آرائهم وعملهم الصحفي، وتعديل قانون الجرائم الإلكترونية الذي بات سيفا مسلطا على حرية الرأي والتعبير، ووقف نهج التضييق الأمني على الناشطين الحزبيين والحراكيين والسياسيين وذويهم”.
وكانت مدعي عام عمان قد قرر في 25 تموز/ يوليو، كفّ يد أعضاء مجلس نقابة المعلمين عن العمل، وإحالتهم إلى القضاء، وإغلاق مقرات النقابة لمدة سنتين، على ذمة قضايا جزائية حول تجاوزات مالية، وقرارات اشتملت على إجراءات تحريضية ينفيها مجلس النقابة.
وعن ما إذا كانت ثمة تدخلات أمنية في الحياة الحزبية؛ بيّن عساف أن حزبه منع من إقامة الفعاليات والأنشطة المختلفة، وتم تهديد العديد من الأعضاء بفصلهم من وظائفهم إذا لم ينسحبوا من الحزب، واعتقال بعضهم الآخر، وإيقاف آخرين على المعابر والحدود، وسحب جوازات سفرهم، ومصادرة أجهزتهم الخلوية وكمبيوتراتهم الشخصية، والتضييق والتحقيق مع أقاربهم عند طلبهم التوظيف في المؤسسات الرسمية والحكومية.
وأكد أن هناك محاولة لمعالجة الأزمات الداخلية من خلال الضغط الأمني، وليس عبر حوار وطني أو إصلاح سياسي واقتصادي يعالج المشكلة جذريا، مطالبا بوقف العمل بقانون الدفاع الذي استثمر أمنيا لفرض مزيد من الضغط على المؤسسات المدنية والحزبية والسياسية، رغم وجود قانون الصحة العامة الذي يعطي النتائج المطلوبة ذاتها في معالجة أزمة كورونا.
وحول التوفيق بين الحديث عن ضغط أمني يمارس على مؤسسات المجتمع المدني، وبين دعوة العاهل الأردني إلى إصلاح سياسي وتشكيل أحزاب برامجية؛ قال عساف: “إننا نراقب هذه الدعوات بأمل، لكننا نعتقد أنه لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع مع عدم وجود إرادة جادة للإصلاح، وتوفير مناخ يتيح تحقيقه”.
وأعرب عن خشيته من أن يكون الحديث الرسمي عن الإصلاح في الأردن مرتبطا ببعض المناخات الإقليمية والدولية، “ليؤول في النهاية إلى كونه مهربا من أي استحقاق ديمقراطي أو إصلاحي قادم، أو مدخلا لإجراء تعديلات وترقيعات تحت مسمى الإصلاح قد تزيد الطين بلة.
“تدخلات” في الانتخابات
وأكد عساف صحة التقارير التي تحدثت عن وجود تدخلات أمنية في الانتخابات النيابية الأخيرة، موضحا أن ذلك تمثل في توجيه إرادة الناخبين، والسماح بالمال الأسود، ومنع بعض المندوبين من مراقبة الصناديق.
وأضاف أنه “في الإطار ذاته؛ تم استدعاء العديد من أعضاء الحزب ومؤازريه والطلب منهم عدم الترشح للانتخابات، والضغط على بعض المتحالفين مع الحزب للانسحاب من قوائمه والانضمام إلى قوائم أخرى، ومورست ضغوطات بعد الانتخابات على أعضاء في كتلة الإصلاح البرلمانية للانسحاب منها، وهو ما تم بالفعل”.
وتأتي هذه الانتقادات بعد أيام من إعلان المركز الوطني لحقوق الإنسان (حكومي) عن وقوع انتهاكات جسيمة خلال دورة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في المملكة، تركزت بصورة مباشرة خلال فترات الترشح والاقتراع.
وقال المركز في مؤتمر صحفي مطلع شباط/ فبراير الحالي للإعلان عن تقريره النهائي لنتائج مراقبة الانتخابات النيابية لمجلس النواب التاسع عشر، إن ما تم رصده وتوثيقه من انتهاكات ومخالفات قد بلغ بعضها من الجسامة حدا يعيب العملية الانتخابية برمتها.
ولفت المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان، علاء العرموطي، إلى ورود شكاوى من عديد المرشحين حول تدخلات من “بعض الأطراف” في تشكيل القوائم الانتخابية، وممارسة الضغوط للانسحاب من بعضها، ومحاولة هندسة نتائج مسبقة من خلال رسم البدايات التي تؤول إلى النهايات المطلوبة، وترجح لدينا من خلال الشواهد والقرائن صحة هذه الشكاوى.
وحول “التغول الأمني” على الحياة المدنية والسياسية؛ أكد العرموطي لـ”عربي21” وجود تدخلات وتجاوزات أمنية سواء على الصعيد الشخصي، أو على صعيد مؤسسات المجتمع المدني، مشددا على ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية والدستورية المتعلق بحقوق الإنسان.
وقال إن المركز تعامل مع العديد من الشكاوى المتعلقة بسوء المعاملة للمحتجزين، وتعذيبهم، وتوقيفهم من قبل الحكام الإداريين بما يتعارض مع القانون الذي يمنع التوقيف بدون قرار قضائي، مشيرا إلى أن ثمة قوائم كاملة من الحقوق واردة في الدستور الأردني الذي يمثل أسمى القوانين في الدولة، والتي لا يجوز انتهاكها بحال.
وأكد العرموطي وجود انتهاكات للعديد من الحريات المتداخلة فيما يتعلق بالعمل الحزبي والمشهد النقابي، كالحق في تكوين الجمعيات، والحق في حرية التعبير، مشيرا إلى أن الطريقة التي تم التعامل فيها مع نقابة المعلمين كانت غير مسبوقة وتتعارض مع حق تأسيس النقابات والانضمام إليها، والذي حظي بحماية دستورية وكفلته المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
واستغرب التضييق على الحريات والتعددية السياسية في الوقت الذي يدعو فيه الملك إلى تحقيق الإصلاح السياسي، مضيفا أن “نفَس رأس الدولة يزيدنا قوة وشكيمة، ويمنحنا دافعا لكشف الانتهاكات الواقعة من أي طرف كان”.
واستدرك بالقول إن “كثيرا من الانتهاكات والتضييقات على الحياة المدنية ليست صادرة عن إرادة سياسية، بقدر ما هي متعلقة بالروتين البيروقراطي والثقافة السائدة”، مؤكدا أنه “يمكن تغيير هذه الممارسات من خلال تحسين الإدارة وترشيد الحاكمية”.
وكان تقرير “مؤشر الديمقراطية” السنوي الصادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية مطلع شباط/ فبراير الجاري، قد صنف الأردن كدولة استبدادية لعام 2020 “رغم إجرائه انتخابات برلمانية”.
ورأى التقرير أن “هذا يؤكد فكرة قديمة؛ أن الديمقراطية ليست صندوق اقتراع، طبعا إذا سلمنا جدلا أن الانتخابات نزيهة”، مضيفا أن “المشكلة تكمن في أن النظام الأردني ما زال يستخدم أدوات الديمقراطية كدعاية سياسية له أمام الغرب، وليس لأنه مؤمن بها أو بحاجة إليها” على حد تعبيره.