لقد شهد المسجد الأقصى المبارك على مدى شهر أيلول الماضي عدواناً غير مسبوق على هويته الإسلامية، إذ أدى المتطرفون الصهاينة فيه طقوساً توراتية لم يشهدها الأقصى منذ احتلاله، فنفخ أعضاؤها في البوق داخل ساحاته في يوم الأربعاء 8-9-2021 ليعلنوا بداية السنة العبرية من الأقصى، وجاء عدوانهم الأكبر في يوم الخميس 16-9-2021 في ما يسمى بـ “عيد الغفران” التوراتي حيث حاكت مجموعة كبيرة من المتطرفين طقوس تقديم “قربان الغفران” بثياب الكهنة التوراتية، أما في عيد العرش الممتد ما بين 21-28 من أيلول المنصرم فقد أدخلت تلك الجماعات القرابين النباتية التوراتية إلى الأقصى، واقتحمه متطرفوها في الأيام الثلاثة الأخيرة للعُرش بأكثر من 2500 متطرفٍ أدوا خلالها الطقوس التوراتية الجماعية ورفعوا علم كيانهم في الأقصى أكثر من مرة؛ في إعلانٍ موهومٍ للسيادة على القدس عاصمة فلسطين وقلب المدائن العربية، لنصل أخيراً إلى قرار محاكم الاحتلال اليوم الذي يحاول أن يضفي المشروعية على الطقوس التوراتية في الأقصى.
إن هذا العدوان هو أخطر ما جرى على الأقصى منذ إحراق المسجد القبلي في عام 1969، ففرض هذه الطقوس يهدف إلى التعامل مع الأقصى وكأنه قد بات الهيكل المزعوم، باعتبار أن كامل الطقوس التوراتية الموصوفة لهذا الهيكل المتوهَّم قد باتت قائمة حتى وإن كانت المباني هي مباني الأقصى؛ إن المتطرفين الصهاينة يعتبرون ذلك بمثابة “التأسيس المعنوي” لهيكلهم المزعوم على طريق تأسيسه المادي، وهو يعني أن عبادةً أخرى قد باتت تقام في أقدس مقدسات المسلمين رغماً عنهم، ورغماً عن الأوقاف الأردنية المؤتمنة على إدارة الأقصى.
وأمام هذا العدوان العاتي وغير المسبوق، والمتوقع تكراره وتصعيده مع الأعياد التوراتية التالية؛ وتحديداً في نهاية شهر تشرين الثاني 11-2021 وخلال الأسبوع الثالث من شهر رمضان المقبل حين يحل “عيد الفصح” التوراتي المقبل ما بين 15-21 من شهر رمضان، فإن اللجنة التأسيسية للملتقى الوطني لدعم المقاومة في الأردن، وبما تمثله من أحزاب وتياراتٍ وقوى تمثل الشعب الأردني بمختلف أطيافه تؤكد على الآتي:
*أولاً:* نتوجه إلى شعبنا الأردني بأصالته العربية وانتمائه الإسلامي، وبوفائه لشهدائه المعلومين والمجهولين الذين رووا ثرى القدس بدمائهم الزكية؛ بأن تُسدد العيون والقلوب نحو الأقصى ونحو القدس وما يقع عليها وعلى أهلها من عدوان؛ فهذا العدوان كان عنوان تفجُّر المقاومة الفلسطينية الباسلة في هبة النفق عام 1996 وانتفاضة الأقصى المشهودة في عام 2000، وكان عنوان هباتٍ شعبية خمسٍ مباركة ثارت فيها القدس على مدى 2014 و2015 و2017 و2019 و2021؛ كنا لأهل القدس فيها السنَدَ والرئة الشعبية الأقرب. وأمام احتمالات تكرار العدوان على الأقصى فإننا نهيب بالقوى والأحزاب الأردنية وبجماهير شعبنا بالاستعداد لمواجهة هذا العدوان بحشدٍ في الشارع يدعَم المق~اومة ويقف في وجه محاولة الاستفراد بالأقصى وبالمرابطين.
*ثانياً:* لقد مرّ هذا العدوان على الأقصى بإهمالٍ إعلامي غير مسبوق يصل حدَّ التعتيم، وإننا نتوجه إلى وسائل الإعلام الأردنية والجسم الإعلامي الأردني بضرورة تغطية وقائع الأقصى والعدوان عليه ورباط أهلنا المقدسيين فيه ساعةً بساعة، ووقائع رباط المقدسيين على أرضهم وفي بيوتهم وأحيائهم، باعتبارها أولوية وطنية أردنية في قلب الأولويات، وندعو القوى والتيارات الأردنية إلى أن تكون بوابة كسر طوق التعتيم على هذا العدوان بما يُعدّ الشارع للتفاعل معه، وبما ينقل صورته ومجرياته لكل الأمة.
*ثالثاً:* لقد مرّ هذا العدوان دون قدرةٍ من الأوقاف الأردنية على منعه أو مواجهته أو حتى على توثيقه ونقل صورته إلى العالم، وهذا يدق ناقوس الخطر بأن الاحتلال الصهيوني قد نجح في عزل وتهميش دور الأوقاف الأردنية في المسجد الأقصى تدريجياً، بما يتناقض تماماً مع الرعاية الهاشمية للمقدسات والمسؤولية التاريخية الأردنية تجاهها، وهو ما يوجب على الحكومة الأردنية وعلى كل أجهزة الدولة أن تنظر إلى هذه التطورات باعتبارها خطراً وجودياً على الدولة الأردنية يمسّ باستقلالها ومشروعيتها واستقرارها. إن هذا العدوان يؤكد من جديد عبثية نهج التطبيع المتصاعد مع العدو الصهيوني، النهح الذي وضعَ رقبةَ الأردن رهناً بيد العدو الصهيوني في الماء والطاقة والتجارة وفي تشغيل أبنائنا في الفنادق المقامة على أرضنا المغتصبة؛ بينما هو يهدد أقدس مقدساتنا بالزوال والإحلال وهوية القدس بالطمس والتهجير.
*رابعاً:* نتوجه إلى القوى والتيارات الشعبية العربية والإسلامية، وبرغم الأوضاع الصعبة التي تمر بها بلادنا، فإننا نؤكد على ضرورة الرد الجماهيري على العدوان على الأقصى وعلى القدس وأهلها، وتضافر الجهود لدعم المقاومة بكل أشكالها باعتبارها وحدَها الكفيلةَ بالدفاع عن القدس بهويتها العربية وبمقدساتها الإسلامية والمسيحية، وهي وحدَها الكفيلة بشق الطريق نحو التحرير، فهذه المقاومة حين تُلحق الهزائم المتتالية بالمشروع الصهيوني فإنها تنتزع الحرية للشعوب العربية جميعاً من ربقة الهيمنة الاستعمارية.
*خامساً:* نتوجه إلى جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والدول العربية والإسلامية وبالذات الكبرى منها، بأن الصمت على هذه الجرائم في الأقصى هو ما يمهد الطريق لها وهو صمتٌ لا بد أن يُكسر بموقفٍ عاجل ذا معنىً وتأثير. أما الدول المهرولة نحو التطبيع وافتتاح السفارات وتبادل السفراء مع عدوّنا في هذه اللحظات العصيبة من تاريخنا؛ فهي بهذا التزامن تضفي المشروعية على تهويد الأقصى وتمسي شريكةً فيه من حيث قصدت أو لم تقصد، فضلاً عن أنها تلحق الضرر بنفسها وبشعوبها وبأمتها بهذا التطبيع الذي سيزيد الأمة ضعفاً وشرذمةً.
*أخيراً،* فإننا نرى أن هذا العدوان يؤكد الحاجة إلى الاصطفاف خلف المقاومة أكثر من أي وقتٍ مضى، ويزيدنا إيماناً ويقيناً بصوابية نهجها وبوجوب دعمه وقد فرضت التراجعات على المحتل مرةً بعد مرة، وأثبتت أنها سيف القدس الأجدرُ بالرهان عليه.
*اللجنة التأسيسية للملتقى الوطني لدعم المقاومة*
عمان- الأردن – 6/10/2021