رحم الله أبا اسماعيل فقد ترافقنا وتزاملنا معاً في أكثر من موقع في مسيرة الحركة الإسلامية ، وكان آخرها المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي الحالي ، فعرفت الأخ المرحوم عن قرب وعرفت فيه أخاً شهماً كريماً صادقاً مخلصاً نحسبه كذلك ولا نزكي على الله احداً ، ورغم أنني كنت أختلف معه في بعض القضايا ، ولكنني كنت أُكبرُ فيه صدقه ووضوحه وشفافيته ، ولم أعهد فيه كذباً أو مراوغة أو اللف والدوران بل كان الذي في قلبه على لسانه ، وتُحس أنه صفحة بيضاء لا غبش فيها ولا لُبس.
وهو أخٌ ذو مروءة ورجولة وشجاعة في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم ، وكان محامياً شرساً في الدفاع عن المظلومين والحراكيين ذا قامة شامخة في ترافعه أمام القضاء ، وكان يبحث عن كل حرٍ مظلوم أو مسجون ليدافع عنه بلا مقابل محتسباً أجره على الله.
وأذكر أثناء حراك الربيع الأردني سُجن مجموعة من الحراكيين ، وقد بذل رحمه الله جهداً غير مسبوق في الدفاع عنهم ، وقرر وقتها المكتب التنفيذي للإخوان أن يعطيه مبلغ ألفي دينار مقابل بعض مصاريفه ، وكنت وقتها المسؤول المالي ، فدعوته وقلت له: إن إخوانك في المكتب يقدرون جهودك الكبيرة للدفاع عن المظلومين ، وهذا المبلغ ليس أجوراً ، ولكن مقابل بعض المصاريف التي تدفعها من جيبك ، فقال رحمه الله: يا أبا عبادة أنت هيك تسيء لي وتضعني في موقف حرج ، ووالله إنني أجدُ لذةً ومتعةً في الدفاع عن إخواني المظلومين ، وأرجو الأجر من الله وحده ، فلا تحرمني هذا الأجر ، وأنا شاكر لكم في المكتب هذا الشعور بالمسؤولية ، ورغم الحاحي عليه رفض أن يأخذ أي مبلغ مقابل مصاريف كان يدفعها من جيبه الخاص ، عندها أدركت كم كان الأخ عفيف النفس ينظر لآخرته وليس لدنياه ، وكان من النماذج النادرة في هذا المضمار رحمه الله ، وأجزل له الله الثواب والأجر.
وأما عن جرأته في الحق فأذكر عندما سُجن بعض الإخوة في سجن المخابرات العامة ، وطلبوا أن يكون الأستاذ حكمت محامياً لهم ، فقال الضابط المسؤول: اطلبوا أي محامي ماعدا الأستاذ حكمت ، فلن نسمح له بالترافع عنكم ، وهذا يُدلل على جرأته وقوته بالترافع أمام القضاء دون مهادنة أو محاباة ، بل كان يقول الحق دون أن يحسب للنتائج أي حساب ، حتى أنه في مرة سأل الضابط عن تهمة أخ مسجون فقالوا : الإساءة لدولة صديقة [ الكيان الصهيوني] فقد قال كذا وكذا ، فقال وأنا أقول ما يقول وأزيد عليه ، واسجنوني معه ، وعيب عليكم أن تصل بكم هذه الدرجة من الدفاع عن هذا الكيان المسخ مما دعاهم للإفراج عنه.
ولقد كان رحمه الله غيوراً على دينه وأمته ، وحريصاً على ثوابتها ومبادئها ، والداعية الحق ليس بالدروس والمحاضرات والتنظير فقط ، ولكن بالأخلاق والمواقف والسلوك والثبات على المبدأ التي تترجم ذلك واقعاً حياً ، وأذكر عند مناقشة الوثيقة السياسية للحركة الإسلامية ، كان رحمه الله منافحاً بقوة لا هوادة فيها عن مباديء وثوابت الحركة الإسلامية.
أخيراً فقد كان رحمه الله من المدافعين عن القضية الفلسطينية ورجالات المقاومة والجهاد بكل ما أوتي من قوة ، وقد دافع عن مجموعات ممن سُجنوا من رجال المقاومة ، وخاض معارك قضائية عنيفة وجهود جبارة لكي يُحصل لهم البراءة بلا مقابل أو أجور إنما كان يبتغي الأجر من الله وحده ، وكل ما ذكرت من مواقف جليلة للمرحوم هو غيض من فيض ، فرحم الله أبا اسماعيل رحمة واسعة ، فقد كان قامة سامقة في الدعوة ، ومحامياً عن الحق ، ونصيراً للمظلومين ، ونسأل الله تعالى أن تكون هذه الحياة الحافلة بالجهاد والجهد في ميزان حسناته التي ترفعه إلى أعلى عليين في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً.
بقلم [أبو عبادة] أحمد الزرقان
8/ جمادى الآخرة / 1442 هـ
الموافق 21/ 1/ 2021 م