إن أصحاب النبي ﷺ جميعًا هم الصفوة من خلق الله قاطبة وهم الرواد للإنسانية الذين حملوا مِشْعَل الخير والهداية إلى العالم كله، وجاهدوا في الله حق جهاده، وبلَّغوا رسالة الله وصدقوا في تبليغها، وقدموا النفس والنفيس في سبيل سيادة هذا الحق، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)﴾ (الأحزاب).
ولذلك حذّر ﷺ من التعرض لهم فقال: “لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه”. (رواه البخاري ومسلم).
وقد حذَّرنا الأسلاف من الغفلة، والبعد عن الحق، وعن الطريق المستقيم، والوقوع في مزالق الشيطان الرجيم، بالنيل من هؤلاء الرجال الأعلام الذين اصطفاهم الله عز وجل لصحبة رسوله ﷺ ولحمل دعوته وتبليغ رسالته.
يقول الحافظ أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقصُ أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله ﷺ حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة، فيكون الجرح به ألصق والحكم عليه بالزندقة والضلال والكذب والفساد هو الأقوم الأحق.
ويقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى في الأصل التاسع من الأصول العشرين: وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم وما شجر بينهم من خلاف، ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفي التأول مندوحة .
وإن تاريخ البشرية لم يحظ برجال عقدوا عزمهم، وخرجوا من حظ نفوسهم، وانطلقوا إلى غاية من أسمى الغايات، كما حظي بجيل الصحابة.
والقرآن الكريم، وهو أصدق سجل، يحدثنا عن الذين رضي الله عنهم، وبلغهم رضاه فردًا فردًا، فيقول: ﴿مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا﴾ (الفتح: من الآية 29).
وهناك مئات الأحاديث التي تبين فضلهم ومكانتهم، لا يتسع المقام لسردها، وقد ألفت عشرات الكتب في فضائلهم منذ القرون الأولى إلى يومنا هذا.
ونختم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في «العقيدة الواسطية»: «ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم، وألسنتهم لأصحاب محمد ﷺـ إلى أن قال: ـ ويمسكون عمَّا شجر بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها: ما هو كذب، ومنها: ما قد زيد فيه ونقص وغُيِّرَ عن وجهه، والصحيح منه: هم فيه معذورن؛ إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون.
وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره؛ بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله ﷺ: «إنهم خير القرون»، «وإن المُدَّ من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبًا ممن بعدهم».
ثم إذا كان قد صدر عن أحدهم ذنب، فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد ﷺ الذين هم أحق الناس بشفاعته، أو ابْتُلي ببلاء في الدنيا كُفِّر به عنه؛ فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين؛ فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا، فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور لهم».
فهذه عقيدتنا في صحابة رسول الله ﷺ نعلنها بكل وضوح للخاصة والعامة ونلقى الله تعالى عليها. والحمد لله رب العالمين.